الأربعاء، 29 سبتمبر 2021

سجود السهو

 

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الخلق وسيد المرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد.
فإنه كثيرا ما يعتري المصلي في صلاته سهوٌ عارض، وهذا الأمر قلما يخلو منه مصلٍّ، وكان من بالغ حكمة الله تعالى أن وقع السهو من رسوله الكريم صلى الله عليه وسلم ، ليكون بيانا للناس، فقد وقع السهو من رسول الله صلى الله عليه وسلم في الصلاة عدة مرات، وعلى ضوء ما صنع صلى الله عليه وسلم فيما وقع له، نبني أحكام هذه المسألة.
فأقول مستعينا بالله:
أولا: سجود السهو عبارة عن سجدتين يسجدهما المصلي في صلاته، ليجبر ما وقع من خلل غير مقصود في الصلاة، ولا تشهد بعدهما على الصحيح من أقوال أهل العلم، وهو صريح السنة الصحيحة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ثانيا: أسباب السهو الذي يقع في الصلاة ثلاثة:
- زيادة في الصلاة.
- نقص في الصلاة.
- شك في الصلاة.
وكل قسم من هذه الأقسام الثلاثة له من فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم ما يدل على الواجب في تلك الحال.
ففي الحال الأولى: وهي ما إذا زاد المصلي في صلاته سهوا، فالواجب أن يسجد المصلي سجود السهو بعد السلام، كأن يزيد المصلي في صلاته قياما للركعة الخامسة، أو سجدة زائدة، أو يسلم تسليما في غير محلِّه، كأن يسلم من الركعة الثالثة، ثم يُنبه، فهنا وقعت زيادة في الصلاة، وهو التسليم، فيسجد للسهو بعد التسليم.
ودليله: حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلّم صلَّى الظهر خمساً، فقيل له: أزيد في الصلاة؟ فقال:«وما ذاك؟» قالوا: صليت خمساً، فسجد سجدتين بعدما سلَّم.
وفي رواية: "فثنى رجليه واستقبل القبلة، فسجد سجدتين، ثم سلَّم". رواه الجماعة.
وهذا الدليل من حيث الأثر، أما من حيث النظر، فحتى لا يجتمع في الصلاة زيادتان، السهو العارض، وسجدتا السهو.
أما الحال الثانية، وهي ما إذا نقص في الصلاة:
فهذا النقص إما إن يكون نقصا في ركن، أو نقصا في واجب:
فإن كان نقصا في ركن، فإن كان الركن هو تكبيرة الإحرام، فهنا الصلاة لم تنعقد أصلا، ويعيدها، ولا يجبرها بسجود السهو.
أما إن كان ركنا سوى تكبيرة الإحرام، كأن نسي ركوعا أو سجودا، فهذا لا يكفي فيه سجود السهو، بل الواجب أن يأتي فيه بذلك الركن، ثم يسجد للسهو بعد السلام حينئذ لأنه زاد في الصلاة.
أما إن كان قد ترك واجبا نسيانا، كأن ينسى التسبيح في الركوع أو في السجود، أو نسي أن يقول: سمع الله لمن حمده، أو قام عن التشهد الأول ونسيه، فهذا نقص واجب في الصلاة، فيسجد للسهو في تلك الحال قبل التسليم.
ودليله: حديث عبد الله بن بحينة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلّم صلَّى بهم الظهر، فقام في الركعتين الأوليين ولم يجلس -يعني للتشهد الأول- فقام الناس معه حتى إذا قضى الصلاة، وانتظر الناس تسليمه كبَّر، وهو جالس فسجد سجدتين قبل أن يسلِّم ثم سلَّم. أخرجه البخاري.
وهذا الدليل من حيث الأثر، أما من حيث النظر، فلئن النقص وقع داخل الصلاة، فكان جبره بالسجود مناسبا أن يكون داخل الصلاة.
الحالة الثالثة، وهو الشك: فلا يدري المصلي أصلى ثلاثا أم أربعا، بمعنى أنه لم يقطع؟
فهذا لا يخلو من حالين:
الحال الأولى: ألا يغلب على ظنه شئ، فهذا يبني على اليقين، وهو الأقل، كأن شكَّ هل صلى ثلاث ركعات، أم أربعا، ولم يترجح لديه شئ؟ فهذا يبنى على الثلاث، ثم يسجد للسهو قبل التسليم، ودليله:
حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلّم قال: «إذا شكَّ أحدكم في صلاته فلم يدرِ كم صلَّى ثلاثاً أم أربعاً؟ فليطرح الشك، وليَبنِ على ما استيقن ثم يسجد سجدتين قبل أن يسلِّم، فإن كان صلَّى خمساً شفعن له صلاته، وإن كان صلَّى إتماماً لأربعٍ كانتا ترغيماً للشيطان» أخرجه مسلم.
الحال الثانية: أن يغلب على ظنه شئ، كأن يتردد بين ثلاث ركعات أو أربع، ثم يترجح أنها أربع ركعات، فهذا يبني على ما ترجح عنده، ثم يسجد للسهو بعد التسليم.
ودليله: حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلّم قال: «إذا شكَّ أحدكم في صلاته فليتحرَّ الصواب فليتم عليه، ثم ليسلم، ثم يسجد سجدتين» أخرجه البخاري ومسلم ، وهذا لفظ البخاري.
ثم إن تبين أنه وافق الواقع، بمعنى أنه تبين أنه ليس عنده لا زيادة ولا نقص، فالأرجح أنه يسجد بالرغم من ذلك؛ ترغيما ودفعا للشيطان، لقوله صلى الله عليه وسلم : "وإن كان صلَّى إتماماً لأربعٍ -أي: تبين أنه صواب- كانتا -يعني سجدتي السهو- ترغيماً للشيطان".
والخلاصة:
- أن السهو في الصلاة إن كان عن زيادة، فليسجد سجدتي السهو بعد التسليم.
- وإن كان عن نقص، فليسجد قبل التسليم.
- وإن كان عن شكٍّ، فإن لم يترجح شئ سجد قبل التسليم، وإن ترجح سجد بعد السليم، وإن تبين أنه وافق الصواب سجد على الراجح.
فيكون السجود قبل التسليم فيما إذا نقص في الصلاة، أو شك ولم يترجح أحد الأمرين.
ويكون السجود بعد التسليم فيما إذا زاد في الصلاة، أو شك وترجح عنده أحد الأمرين.
تنبيه ومسائل:
- لا عبرة بالشك الدائم، أو الذي يكثر مع الإنسان، الذي هو أشبه بالوسواس، فلا ينبغي أن يلفت إليه المصلي، بل يمضي في صلاته، وليس عليه شئ.
- كذلك لا عبرة بالشك الواقع بعد العبادة، إلا أن يتيقن الأمر، فيعمل بمقتضى يقينه.
- لا عبرة بالوثبة والالتفاتة ونحوه، فلا سجود إلا عن انتقال فعلي، أو ترك فعلي، كترك سجود أو ركوع أو تشهد، أو قيام لركعة أو سجدة زائدة.
- إذا نسي التشهد الأول، فإن استتم قائما، فلا يرجع، ويسجد قبل التسليم لحصول النقص في الصلاة، وإن لم يستتم، كأن تذكر قبل أن يقف، فليرجع، ولا سجود عليه.
- إن تبين أن الإمام سها، وقام للخامسة، فإن كان المأموم ساهيا فتابعه، فلا شئ عليه، لكن أن كان عالما بالزيادة، فلا يجوز متابعة الإمام حينئذ، بل الواجب تنبيهه، ثم انتظاره، والتسليم معه من صلاته.
- بالنسبة لسهو المأموم، فإن سهى بمفرده، كأن ترك التسبيح في الركوع أو السجود، فهذا يتم مع إمامه، ويسلم، ولا سجود عليه.
أما إن كان دخل الصلاة متأخرا، وسيكمل الصلاة بعد إمامه، فهذا يسجد للسهو حسب التفصيل السابق، زيادة أو نقصانا.
- إن وقع في الصلاة سهوان، أحدهما يستلزم السجود قبل التسليم، والآخر يستلزمه بعده، فالعلماء غلبوا أن يسجد قبل التسيلم؛ لأنه ألصق بالصلاة.
والله الموفق.
كتبه: د.محمد بن موسى الدالي
في 7/1/1434هـ
قد تكون صورة لـ ‏‏شخص أو أكثر‏ و‏نص‏‏
أنت و٥٣٤ شخصًا آخر
٣٩٣ مشاركة
أعجبني
تعليق
مشاركة

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق